فصل: سؤال: ما وجه الجمع بين قوله تعالى: {أولئك مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النار} وقوله تعالى في سورة الغاشية: {لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِن ضَرِيعٍ}؟

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.سؤال: ما وجه الجمع بين قوله تعالى: {أولئك مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النار} وقوله تعالى في سورة الغاشية: {لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِن ضَرِيعٍ}؟

وأجاب ابن عرفة: بأن الضريع طعامهم ولا يأكلون منه وإنما تكون المعارضة إن لو قيل ليس لهم أكل إلا الضريع أو يكون باختلاف الحالات في الأوقات أو يكون الضريع نارا فأكلهم للضريع أكل للنار، والأكل المضغ فهو في الفم لا في البطن لكن روعي السبب. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (174)}.
أخرج ابن جرير عن عكرمة في قوله: {إِن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب} والتي في آل عمران {إن الذين يشترون بعهد الله وإيمانهم ثمنًا قليلًا} [آل عمران: 77] نزلتا جميعًا في يهود.
وأخرج ابن جرير عن السدي في الآية قال: كتموا اسم محمد صلى الله عليه وسلم، وأخذوا عليه طمعًا قليلًا.
وأخرج ابن جرير عن أبي العالية {إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب} قال: أهل الكتاب كتموا ما أنزل الله عليهم في كتابهم من الحق، والهدى، والإِسلام، وشأن محمد ونعته {أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار} يقول: ما أخذوا عليه من الأجر فهو نار في بطونهم.
وأخرج الثعلبي بسند ضعيف عن ابن عباس قال: سألت الملوك اليهود قبل مبعث محمد صلى الله عليه وسلم ما الذي يجدون في التوراة؟ قالوا: إنا نجد في التوراة أن الله يبعث نبيًا من بعد المسيح يقال له محمد بتحريم الزنا، والخمر، والملاهي، وسفك الدماء، فلما بعث الله محمدًا ونزل المدينة قالت الملوك لليهود: هذا الذي تجدون في كتابكم؟ فقالت: اليهود طمعًا في أموال الملوك: ليس هذا بذاك النبي. فأعطاهم الملوك الأموال، فأنزل الله هذه الآية إكذابًا لليهود.
وأخرج الثعلبي بسند ضعيف عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية في رؤساء اليهود وعلمائهم، كانوا يصيبون من سفلتهم الهدايا والفضل، وكانوا يرجون أن يكون النبي المبعوث منهم، فلما بعث الله محمدًا صلى الله عليه وسلم من غيرهم خافوا ذهاب مأكلتهم وزوال رياستهم، فعمدوا إلى صفة محمد فغيروها، ثم أخرجوها إليهم وقالوا: هذا نعت النبي الذي يخرج في آخر الزمان لا يشبه نعت هذا النبي، فإذا نظرت السفلة إلى النعت المغير وجدوه مخالفًا لصفة محمد فلم يتبعوه، فأنزل الله: {إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب}. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
{إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (174)}.
قوله: {مِنَ الْكِتَابِ}: في محلِّ نصْبٍ، على الحال، وفي صاحبها وجهان:
أحدهما: أَنَّهُ العائِدُ على الموصول، تقديره: أَنْزَلَهُ اللَّهُ حال كونه {مِنَ الكِتَابِ} فالعاملُ فيه {أَنْزَلَ}.
والثاني: أنه المُوصول نَفسُه، فالعامل في الحال {يَكْتُمونَ}.
قوله: {وَيَشْترونَ بِهِ}: الضميرُ في {بِهِ} يُحْتَمَل أن يعود على {ما} الموصولة، وأن يعودَ على الكَتْم المفهومِ من قوله: {يَكْتُمُونَ}، وأَنْ يعودَ على الكتابِ، والأَوَّلُ أَظهَرُ، ويكونُ ذلك على حَذْف مضافٍ، أي: يَشْتَرونَ بِكَتْم ما أَنْزَلَ.
قوله: {إِلاَّ النَّارَ} استثناءٌ مفرَّغ؛ لأنَّ قبله عاملًا يطلبه، وهذا من مجازِ الكَلاَمِ، جعل ما هُوَ سَبَبٌ للنَّار نارًا؛ كقولهم: أَكَلَ فُلاَنٌ الدَّمَ، يريدُون الدية الَّتي بِسَبَبها الدَّمُ؛ قال القائل في ذلك: الطويل:
فَلَوْ أَنَّ حَبًّا يَقْبَلُ المَالَ فِدْيَةً ** لَسُقْنَا إِلَيْهِ المَالَ كَالسَّيْلِ مُفْعَما

وَلَكِنْ أَبَى قَوْمٌ أُصِيبَ أَخُوهُمُ ** رَضَا الْعَارَ وَاخْتَارُوا عَلَى اللَّبَنِ الدَّمَا

وقال القائلُ: الطويل:
أَكَلْتُ دَمًا إِنْ لَمْ أَرُعْكِ بِضَرَّةٍ ** بِعِيدَةِ مَهْوَى القُرْطِ طَيِّبَةِ النَّشْرِ

وقال: الرجز:
يَأْكُلْنَ كُلَّ لَيْلَةٍ إِكَافَا

يريد: ثَمَنَ إكافٍ.
وقوله: {في بُطُونِهِم} يجوز فيه ثلاثة أوجه:
أظهرها: أَن يتعلَّق بقوله: {يَأْكُلُونَ} فهو ظرْفٌ له، قال أبو البقاء: وفيه حذفُ مضافٍ، أي طَرِيقِ بُطُونِهِمْ ولا حاجة على ما قاله من التَّقْدِير.
والثاني: أنْ يتعلَّق بمحذوفٍ، على أنَّهُ حالٌ من النَّار.
قال أبُو البقاء: والأجودُ: أن تكونُ الحال هُنّا مقدَّرة؛ لأنَّها وقت الأَكْلِ ليْسَتْ في بُطُونِهِمْ.
وإنَّمَا تَؤول إلى ذلك، والتقديرُ: ثابتةٌ وكائنةٌ في بُطُونهم.
قال: ويلْزَمُ منْ هذا تقديمُ الحال على حرف الاستثناء.
وهو ضعيفٌ، إلاَّ أنْ يجعل المفعولَ محذوفًا و{فِي بُطُونِهِمْ} حالًا منه، أَو صفةً له، أي: في بطونِهِم شيئًا، يعني فيكون: {إلاَّ النَّارُ} منصوبًا على الاستثناء التَّامِّ؛ لأنَّهُ مستثنًى من ذلك المحذوف إِلاَّ أَنَّه قال بَعْد ذلك: وهذا الكلامُ من المعنى على المجاز للإعْرَابِ حكْمُ اللفظ.
والثالث: أنْ يكون صفةً أو حالًا من مفعُول {كُلُوا} محذوفًا؛ كما تقدم تقديرُه.
قوله: في ذِكْرِ البُطُونِ تنبيهٌ على أَنَّهُم باعوا آخِرَتَهُم بدُنياهم، وهو حظُّهم من المَطْعَم الَّذي لا خَطَرَ له ومعنى {إلاَّ النَّار}، أي: أنَّهُ حرامٌ يعذِّبهم الله علَيْه، فسمّى ما أَكَلُوه من الرُّشَا نارًا؛ لأَنَّهُ يؤدِّيهم إلى النار، قاله أكثر المفسِّرين.
وقيل: إِنَّهُ يعاقبهم على كتمانهم بأكل النَّار في جهنم حقيقةً فأَخْبَر عن المآل بالحالِ؛ كما قال تعالى: {إِنَّ الذين يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ اليتامى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا} [النساء: 10]، أي عاقبتهم تئُولُ إلى ذلك، ومنْه قَوْلُ القائل: الوافر:
لِدُوا لِلْمَوْتِ وَابْنُوا لِلْخَرَابِ

وقال القائِل: المتقارب:
....... ** فَلِلْمَوْتِ مَا تَلِدُ الْوَالِدَهْ

وقال آخر: البسيط:
...... ** وَدُورُنَا لِخَرابِ الدَّهْرِ نَبْنِيهَا

الآيةُ تدُلُّ على تحريم الرَّشْوَة على الباطل.
قوله: {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}، اعْلَمْ: أنَ الفعيل قد يكون بمعنى المفعول؛ كالجريح والقتيل، بمعنى المجروح والمَقْتُول، وقد يكُونُ بمعنى المُفعل؛ كالبصير بمعنى المُبْصِر والأليم بمعنى المُؤلم.
واعلم أَنَّ العبرةَ بعُمُوم اللَّفْظِ، لا بخُصُوص السَّبَب، فالآية الكريمة وإن نزلت في اليهود، لكنَّها عامَّة في حقِّ كلِّ مَنْ كَتَم شيئًا من باب الدِّين. اهـ. باختصار.

.تفسير الآية رقم (175):

قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ (175)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

.قال البقاعي:

ولما ذكر جزاءهم أتبعه ترجمة حالهم مؤكدًا لبعدهم فقال: {أولئك الذين اشتروا} أي لجاجًا وتماديًا في الغي {الضلالة} عن طريق الخير {بالهدى} ولما ذكر حالهم في الدنيا أتبعه أمر الآخرة فقال: {والعذاب} بارتكابهم هذه الموبقة {بالمغفرة} التي كانت تنجيهم إذا محت صغائرهم لو سلموا من هذه العضلة التي كانت سببًا لضلال خلق كثير فكان عليهم وزرهم. ولما جعل سبحانه وتعالى أول مأكلهم نارًا وآخر أمرهم عذابًا وترجمة حالهم عدم المغفرة فكان بذلك أيضًا أوسط حالهم نارًا سبب عنه التعجيب من أمرهم بحبسهم أنفسهم في ذلك الذي هو معنى الصبر لالتباسهم بالنار حقيقة أو بموجباتها من غير مبالاة فقال: {فما أصبرهم} أي ما أشد حبسهم أنفسهم أو ما أجرأهم {على النار} التي أكلوها في الدنيا فأحسوا بها في الأخرى- ذكر كثيرًا من ذلك الحرالي غير أني تصرفت فيه؛ وإذا جعلته مجازًا كان مثل قولك لمن عاند السلطان: ما أصبرك على السجن الطويل والقيد الثقيل! تهديدًا له. اهـ.

.قال الفخر:

اعلم أنه تعالى لما وصف علماء اليهود بكتمان الحق وعظم في الوعيد عليه، وصف ذلك الجرم ليعلم أن ذلك العقاب إنما عظم لهذا الجرم العظيم، واعلم أن الفعل إما أن يعتبر حاله في الدنيا أو في الآخرة، أما في الدنيا فأحسن الأشياء الاهتداء والعلم وأقبح الأشياء الضلال والجهل فلما تركوا الهدى والعلم في الدنيا، ورضوا بالضلال والجهل، فلا شك أنهم في نهاية الخيانة في الدنيا، وأما في الآخرة فأحسن الأشياء المغفرة، وأخسرها العذاب، فلما تركوا المغفرة ورضوا بالعذاب، فلا شك أنهم في نهاية الخسارة في الآخرة وإذا كانت صفتهم على ما ذكرناه، كانوا لا محالة أعظم الناس خسارًا في الدنيا وفي الآخرة، وإنما حكم تعالى عليهم بأنهم اشتروا العذاب بالمغفرة، لأنهم لما كانوا عالمين بما هو الحق، وكانوا عالمين بأن في إظهاره وإزالة الشبهة عنه أعظم الثواب، وفي إخفائه وإلقاء الشبهة فيه أعظم العقاب، فلما أقدموا على إخفاء ذلك الحق كانوا بائعين للمغفرة بالعذاب لا محالة. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال ابن عاشور:

إن جعلت {أولئك} مبتدأً ثانيًا لجملة هي خبر ثان عن المبتدأ الأول وهو اسم {إن} في قوله: {إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب} [البقرة: 174] فالقول فيه كالقول في نظيره وهو {أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار} [البقرة: 174] ونكتة تكريره أنه للتنبيه على أن المشار إليه جدير بأحكام أخرى غير الحكم السابق وأن تلك الأحكام لأهميتها ينبغي ألا تجعل معطوفة تابعة للحكم الأول بل تفرد بالحكمية.
وإن جعلته مبتدأ مستقلًا مع جملته فالجملة مستأنفة استئنافًا بيانيًا لبيان سبب انغماسهم في عذاب النار؛ لأنه وعيد عظيم جدًا يستوجب أن يسأل عنه السائل فيبين بأنهم أخذوا الضلال ونبذوا الهدى واختاروا العذاب ونبذوا المغفرة، ومجيء المسند إليه حينئذٍ اسم إشارة لتفظيع حالهم؛ لأنه يشير لهم بوصفهم السابق وهو كتمان ما أنزل الله من الكتاب.
ومعنى اشتراء الضلالة بالهدى في كتمان الكتاب أن كل آية أخفوها أو أفسدوها بالتأويل فقد ارتفع مدلولها المقصود منها وإذا ارتفع مدلولها نسي العمل بها فأقدم الناس على ما حذرتهم منه، ففي كتمانهم حق رُفع وباطل وُضع.
ومعنى اشتراء العذاب بالمغفرة أنهم فعلوا ذلك الكتمان عن عمد وعلم بسوء عاقبته، فهم قد رضوا بالعذاب وإضاعة المغفرة فكأنهم استبدلوا بالمغفرة العذاب. اهـ.

.قال ابن عادل:

قوله: {فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النار} في ما هذه خمسةُ أقْوالٍ:
أحدها: وهو قول سيبويه، والجُمهُور: أَنَّها نكرةُ تامَّةُ غير موصُولة، ولا موصوفةٍ، وَأَنَّ معناها التعجُّب، فإذَا قُلْتَ: مَا أَحْسَنَ زَيْدًا، فمعناهُ: شيءٌ صَيَّرَ زَيْدًا حَسَنًا.
الثاني: قولُ الفراء- رحمه الله تعالى- أَنَّهَا استفهاميَّةٌ صَحِبَها معنى التعجُّب؛ نحو {كَيْف تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ}.
قال عطَاءٌ، والسُّدِّيُّ: هو {ما} الاستفهام، معناه: ما الَّذي صَبَّرهم على النَّار؟ وأيُّ شيء صَبَّرهم على النَّار؛ حتى تَرَكوا الحَقَّ، واتبعوا البَاطِلَ.
قال الحَسَن، وقَتادة: والله ما لهم عَلَيْها من صَبْر، ولكنْ ما أجرأهم على العمل الَّذي يقرِّبهم إلى النار وهي لغة يَمَنية معروفةٌ.
قال الفراء: أخبرني الكسائيُّ قال: أخبرني قاضي اليَمَنِ أَنَّ خَصْمَينِ اخْتَصَمَا إلَيْهِ فوجَبَتِ اليمينُ على أحدهِمَا، فحلَفَ، فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ: ما أصْبَرَكَ عَلَى اللَّهِ؟ أي: ما أجرأك عليه.
وحكي الزَّجَّاجُّ: ما أبقاهُمْ على النَّار، من قولِهِم: مَا أَصْبَرَ فُلاَنًا على الحَبْس، أي: ما أبقاهُ فيه.
والثالث: ويُعْزَى له أيضًا: أنها نكرةٌ موصوفةٌ وهي على الأقوال الأربعة في مَحَلِّ رفع بالابتداءِ، وخبرها على القَوْلين الأولَيْن: الجملةُ الفعليَّة بعدَها، وعلى قوْلي الأخْفَش: يكون الخبر مَحذوفًا فإنَّ الجملة بعدها إما أن تكون صلةً، أو صفةً وكذلك اختلفُوا في أفْعَل الواقع بعدها، أهو اسمٌ؟ وهو قول الكوفيِّن، أم فعل؟ وهو الصحيحُ، ويترتَّب على هذا الخلاَفِ خلافٌ في نصْب الاسْمِ بعده، هَلْ هو مفعولٌ به، أو مشبَّهة بالمعفول به، ولكلٍّ مِنَ المذْهَبَين دلائلُ، واعتراضات وأجوبةٌ ليس هذا موضعها.
والمراد بالتعجُّب هنا، وفي سائر القُرْآن: الإعلامُ بحالهم؛ إنَّها ينبغي أنْ يتعجَّب منها، إلا فالتعجب مستحيلٌ في حقِّه تعالى، ومعنى عَلَى النَّارِ، أي: على عمل أهْل النار، قاله الكِسَائيُّ، وهذا من مجاز الكَلاَمِ.
الخامس: أنَّها نافيةٌ، أَي: {فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النار}. نقله أَبُو البقاء. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وقوله: {فما أصبرهم على النار} تعجيب من شدة صبرهم على عذاب النار، ولما كان شأن التعجيب أن يكون ناشئًا عن مشاهدة صبرهم على العذاب وهذا الصبر غير حاصل في وقت نزول هاته الآية بني التعجيب على تنزيل غير الواقع منزلة الواقع لشدة استحضار السامع إياه بما وصف به من الصفات الماضية، وهذا من طرق جعل المحقق الحصول في المستقبل بمنزلة الحاصل، ومنه التعبير عن المستقبل بلفظ الماضي وتنزيل المتخيل منزلة المشاهد كقول زهير:
تَبَصَّر خليلي هلْ ترى من ظَعائن ** تَحَملْنَ بالعَلْياءِ من فَوْققِ جُرْثَم

بعد أن ذكر أنه وقف بالدار بعد عشرين حجة، وقول مالك بن الرَّيْب:
دَعاني الهَوى من أَهل ودِّي وجيرتي ** بذي الطَّيِّسَيْن فالتفتُّ ورائيا

وقريب منه قوله تعالى: {كلا لو تعلمون علم اليقين لترون الجحيم} [التكاثر: 5 6] على جعل {لترون} جواب {لو}. اهـ.